فصل: قال العلامة ابن جني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في ذكر قراءات السورة كاملة:

.قال العلامة ابن جني:

سورة يوسف:
قراءة الناس: {أَحَدَ عَشَرَ} بفتح العين، وأسكنها أبو جعفر ونافع بخلاف وطلحة بن سليمان.
قال أبو الفتح: سبب ذلك عندي أن الاسمين لما جُعلا كالاسم الواحد، وبُني الأول منهما لأنه كصدر الاسم، والثاني منهما لتضمنه معنى حرف العطف؛ لم يجز الوقف على الأول لأنه كصدر الاسم من عجزه، فجُعل تسكين أول الثاني دليلًا على أنهما قد صارا كالاسم الواحد، وكذلك بقية العدد إلى تسعة عشر، إلا اثنا عشر واثني عشر، فإنه لا يسكن العين لسكون الألف والياء قبلهما.
ومما يدلك على أن الاسمين إذا جريا مجرى الاسم الواحد بالتركيب عوملا في مواضع معاملته، ما حكاه أبو عمر الشيباني من قولهم في حضرموت: حَضْرَمُوت بضم الميم؛ ليكون كحَذْرفُوت وتَرْنَمُوت وعنكبوت، وهذا واضح.
ومن ذلك قراءة الأعرج: {فِي غَيَّابَاتِ الْجُبِّ} مشددة. وقرأ الحسن: {في غَيْبَة الجب}.
قال أبو الفتح: أما: {غيَّابة} فإنه اسم جاء على فَعَّالة، وكان أبو علي يضيف إلى ما حكاه سيبويه من الأسماء التي جاءت على فَعَّال؛ وهو الجبَّار والكلَّاء، الفيَّاد لذكر البوم. ووجدت أنا غير ذلك، وهو التيَّار للموج، والفخَّار للخزف، والحمَّام، والجيار: السعال، والكَرَّار: كبش الراعي.
وأما: {غَيْبَة الجب} فيجوز أن يكون حدثا فَعْلَة من غِبْت، فيكون كقولنا: في ظُلمة الجب، ويجوز أن يكون موضعًا على فَعْلَة كالقَرْمَة والْجَرْفَة.
ومن ذلك قراءة العلاء بن سيابة: {يَرْتَعِ} بالياء وكسر العين، و: {يَلْعَبُ} رفعًا، وقرأ: {يُرْتِعْ وَيَلْعَبْ} أبو رجاء.
قال أبو الفتح: أما: {يَرْتَعِ} فجزم؛ لأنه جواب: {أرسله}، و: {يلعب} مرفوع لأنه جعله استئنافًا؛ أي: هو ممن يعلب، كقولك: زرني أُحسنُ إليك؛ أي: أنا ممن يحسن إليك، إلا أن الرفع في: {أُحسن} هنا يُضعف الضمان، ألا ترى أن معناه: أنا كذلك، وليس فيه قوة معنى الإحسان إليه مع الجزم؟
وأما: {يُرْتِعْ وَيَلْعَبْ} فمجزومان لأنهما جوابان؛ أحدهما: معطوف على صاحبه، وهو على حذف المفعول؛ أي: يُرْتِعْ مطيته، فحذف المفعول.
وعلى ذكر حذف المفعول فما أعرَبه وأعذَبه في الكلام! ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} أي: تذودان إبلهما، ولو نطق بالمفعول لما كان في عذوبة حذفه ولا في علوه. وأنشدنا أبو علي للحطيئة:
منعَّمةٌ تصون إليك منها ** كَصَونِك من رداءٍ شَرْعَبِيِّ

أي: تصون الحديث وتَخزُنه، فهو كقول الشَّنْفَرَى:
كأن لها في الأرض نِسْيًا تَقُصُّهُ ** على أمها وإن تخاطبك تَبْلِتِ

أي: تقطع حديثها حياء وخفرًا. واعتدل في هذا الموضع ذو الرمة، قال:
لها بشَر مثل الحرير ومنطق ** رخيم الحواشي لا هُرَاء ولا نَزْرُ

وما أظرف قوله: رخيم الحواشي؛ أي: لا تنتشر حواشيه فتهرأ فيه، ولا يضيق عما يُحتاج من مثلها إليه للسماع والفكاهة؛ لكنه على اعتدال، وكما يُستحسن ويستعذب من التِّقال، ألا ترى إلى قول الآخر:
ولما قضينا من مِنى كل حاجة ** ومَسَّحَ بالأركان مَن هو ماسحُ

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ** وسالت بأعناق المطي الأباطح

ومنه:
وحديث أَلَذُّه هو مما تشتهيه ** النفوس يُوزَن وزْنا

مَنطِقٌ صائب وتلحَن أحيا ** نا وخير الحديث ما كان لَحْنَا

أي: تارة تورد القول صائبًا مسددًا، وأخرى تُحرف فيه وتلحن؛ أي: تعدل عن الجهة الواضحة معتمدة لذلك تلعُّبا بالقول، وهو من قوله عليه السلام: «فلعل أحدكم يكون ألحن بحجته»؛ أي: أنهض بها وأحسن تصرفًا فيها. وليس من اللحن الذي هو إفساد الإعراب، ذلك حديث غير هذا، وقد تقصيت هذا المذهب في الخصائص، فليُطلب هناك.
ومن ذلك ما رواه عيسى بن ميمون عن الحسن أنه قرأ: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عُشًا يَبْكُونَ}، قال: عُشْوًا من البكاء.
قال أبو الفتح: طريق ذلك أنه أراد جمع عَاشٍ، وكان قياسه عُشاةً كماشٍ ومُشاة، إلا أنه حذف الهاء تخفيفًا وهو يريدها، كقوله:
أبلغ النعمان عني مأْلُكًا ** أنه قد طال حبسي وانْتِظَارْ

أراد: مأْلُكَة، فحذف الهاء. وقد تقصينا ذلك في أماكن من كتبنا، وفيه بعد هذا ضعف؛ لأن قَدْرَ ما بَكَوْا في ذلك اليوم لا يعشو منه الإنسان.
ويجوز أن يكون جمع عِشْوة: أي ظلامًا، وجمَعه لتفرِّق أجزائه كقولهم: مُغَيْربانَات وأُصَيْلَال، ونحو ذلك.
ومن ذلك قراءة الحسن أيضًا: {بِدَمٍ كَدِبٍ} بالدال.
قال أبو الفتح: أصل هذا من الكَدَب؛ وهو الفُوفُ؛ يعني: البياض الذي يخرج على أظفار الأحداث فكأنه دم قد أثَّر في قميصه فلحقته أعراض كالنقش عليه. وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بهذه القراءة أيضًا.
ومن ذلك قراءة أبي الطفيل والجحدري وابن أبي إسحاق ورُويت عن الحسن: {يَا بُشْرَيَّ}.
قال أبو الفتح: هذه لغة فاشية فيهم، ما رويناه عن قطرب من قول الشاعر:
يُطَوِّفُ بي عِكَبٌّ في مَعَدٍّ ** ويَطْعَنُ بالصُّمُلَّةِ في قَفَيَّا

فإن لم تَثْأَرَا لي من عِكَبٍّ ** فلا أَرْوَيْتُمَا أبدا صَدَيَّا

ونظائره كثيرة جدًّا.
وقال لي علي: إن قلب هذه الألف لوقوع الياء بعدها ياء؛ كأنه عوض مما كان يجب فيها من كسرها لياء الإضافة بعدها؛ ككسرة ميم غُلَامِي وياء صاحبي ونحو ذلك، ومَن قلب هذه الألف لوقوع هذه الياء بعدها ياء لم يفعل ذلك في ألف التثنية، نحو: غلاماي وصاحباي؛ كراهة التباس المرفوع بالمنصوب والمجرور.
فإن قيل بعد: وهلا قلبوها وإن صار لفظ ما هي فيه إلى لفظ المجرور كما صار لفظ المرفوع والمنصوب جميعًا إلى لفظ المجرور في نحو: هذا غلامي؛ ورأيت غلامي، قيل: قَلْبُ الألف لوقوع الياء بعدها ياء أغلظ من قلب الضمة والفتحة حيث ذَكرْت كسرة؛ وذلك أن الجناية على الحرف أغلظ من الجناية على الحركة، فاحتُمل ذلك في: هذا غلامي ورأيت غلامي، ولم يُحتمل نحو: هذان غلامَيّ وما جرى مجراه.
فإن قيل: فالذي قال: {يا بُشْرَيَّ} قد جنى على الألف بقلبها ياء، قيل: هذه الألف يمكن أن تقدَّر الكسرة فيها، وحرف التثنية لا تقدير حركة فيه أصلًا عندنا، فجائز أن تقول: {بُشْرَيَّ}، ولم يُقَل: قام غلامَيّ. فأما الحركة في ياء: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} فلالتقاء الساكنين، وهي غير محفول بها، والحركة قبل الياء من: {صَاحِبَي} ونحوه أقوى من حركة التقاء الساكنين، والكلام هنا يطول، لكن هذا مُتَوَجَّهُهُ.
ومن ذلك: {هِئْتُ لك} بالهمز وضم التاء، قرأ بها علي عليه السلام وأبو وائل وأبو رجاء ويحيى، واختُلف عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وطلحة بن مُصَرِّف وأبي عبد الرحمن. وقرأ: {هَيْتِ لَكَ} بفتح الهاء وكسر التاء ابن عباس بخلاف وابن محيصن وابن أبي إسحاق وأبو الأسود وعيسى الثقفي. وقرأ: {هُيِّئْتُ لَكَ} ابن عباس.
قال أبو الفتح: فيها لغات: هَيْتَ لك، وهِيتَ لك، وهَيْتُ لك، وهَيْتِ لك. وكلها أسماء سمي بها الفعل بمنزلة صَه ومَه وإيه في ذلك.
ومعنى: {هَيْتَ} وبقية أخواتها: أَسْرِعْ وبادرْ، وقال:
أبلغ أمير المؤمنين ** أخا العراق إذا أتيتا

إن العراق وأهله عُنُق ** إليك فهَيْتَ هَيْتَا

وقال طرفة:
ليس قومي بالأَبعدين إذا ** ما قال داع من العشيرة: هَيْتُ

هم يجيبون: وا هَلُمَّ سراعا ** كالأَبَابِيل لا يُغَادَرُ بيْتُ

والحركات في أواخرها لالتقاء الساكنين.
وأما: {هِئْتُ} بالهمز وضم التاء فَفِعْل، يقال فيه: هِئْتُ أَهِيءُ هيئة كجئت أجيء جيئة؛ أي: تهيأت. وقالوا أيضًا: هِئْتُ أَهَاءُ كخفت أخاف، هذا بمعنى خذ. قال:
أفاطم هائي السيف غير مُذَمَّمِ

أي: خذي السيف.
فأما قول الله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ}، فحديث غير هذا وتصريف سواه، وفيه طول. وقد ذكرناه في كتاب الخصائص.
وأما: {هُيِّئْتُ لك} ففعل صريح كهِئْتُ لك، كقولك: أُصْلِحْتُ لك؛ أي: فدونك، وما انتظارك؟ واللام متعلقة بنفس هَيْتَ وهَيْتِ وهِيتَ وهَيْتُ كتعلقها بنفس هلم من قولهم: هَلُمَّ لك، وإن شئت كانت خبر مبتدأ محذوف؛ أي: إرادتي لذلك.